فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله تعالى: {فوسوس لهما الشيطان} يعني فوسوس إليهما والوسوسة حديث يلقيه الشيطان في قلب الإنسان، يقال: وسوس إذا تكلم كلامًا خفيفًا مكررًا وأصله من صوت الحلي ومعنى وسوس لهما فعلَ الوسوسة وألقاها إليهما.
فإن قلت: كيف وسوس إليهما وآدم وحواء في الجنة وإبليس قد أُخرج منها؟
قلت: ذكر الإمام فخر الدين الرازي في الجواب عن السؤال عن الحسن أنه قال: كان يوسوس في الأرض إلى السماء إلى الجنة بالقوة القوية التي جعلها الله تعالى له.
قوله وقال أبو مسلم الأصبهاني: بل كان آدم وإبليس في الجنة لأن هذه الجنة كانت بعض جنات الأرض والذي يقوله بعض الناس من أن إبليس دخل في جوف الحية فدخلت به الحية إلى الجنة فقصه مشهورة ركيكة، وقال آخرون: إن آدم وحواء ربما قربا من باب الجنة وكان إبليس واقفًا من خارج الجنة على بابها فقرب أحدهما من الآخر فحصلت الوسوسة هناك.
فإن قلت: إن آدم عليه الصلاة والسلام قد عرف ما بينه وبين إبليس من العداوة فكيف قبل قوله؟
قلت: يحتمل أن يقال إن إبليس لقي آدم مرارًا كثيرة ورغبه في أكل هذه الشجرة بطرق كثيرة منها رجاء نيل الخلد ومنها قوله وقاسمهما {إني لكما من الناصحين} فلأجل هذه المواظبة والمداومة على هذا التمويه أثر كلام إبليس في آدم حتى أكل من الشجرة {ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما} يعني ليظهر لهم ما غطى وستر عوراتهما وقوله ما ووري مأخوذ من المواراة وهي الستر يقال واريته بمعنى سترته والسوأة فرج الرجل والمرأة سمي بذلك لأن ظهوره يسوء الإنسان وفي الآية دليل على أن كشف العورة من المنكرات المحرمات واللام في قوله ليبدي هلما لام العاقبة وذلك لأن إبليس لم يقصد بالوسوسة ظهور عوراتهما وإنما كان حملهما على المعصية فقط فكان عاقبة أمرهما أن بدت عوراتهما {وقال} يعني وقال إبليس لآدم وحواء {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة} يعني عن الأكل من هذه الشجرة {إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} يعني إنما نهاكما عن هذه الشجرة لكي لا تكونا ملكين من الملائكة تعلمان الخير والشر أو تكونا من الباقين الذين لا يموتون وإنما أطمع إبليس آدم بهذه الآية لأنه علم أن الملائكة لهم المنزلة والقرب من العرش فاستشرف لذلك آدم وأحب أن يعيش مع الملائكة لطول أعمارهم أو يكون من الخالدين الذين لا يموتون أبدًا.
فإن قلت: ظاهر الآية يدل على أن الملَك أفضل من الأنبياء لأن آدم عليه الصلاة والسلام طلب أن يكون من الملائكة وهذا يدل على فضلهم عليه.
قلت: ليس في ظاهر الآية ما يدل على ذلك لأن آدم عليه الصلاة والسلام لما طلب أن يكون من الملائكة كان ذلك الطلب قبل أن يتشرف بالنبوة وكانت هذه الواقعة قبل نبوة آدم عليه الصلاة والسلام فطلب أن يكون من الملائكة أو من الخالدين وعلى تقديره أن تكون هذه الواقعة في زمان النبوة بعد أن شرف بها آدم إنما طلب أن يكون من الملائكة لطول أعمارهم لا لأنهم أفضل منه حتى يلتحق بهم في الفضل لأنه طلب إما أن يكون من الملائكة لطول أعمارهم أو من الخالدين الذين لا يموتون أبدًا. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} أي فعل الوسوسة لأجلهما وأما قوله: {فوسوس} إليه فمعناه ألقى الوسوسة إليه، قال الحسن: وصلت وسوسته لهما في الجنة وهو في الأرض بالقوة التي خلقها الله له، قال ابن عطية: وهذا قول ضعيف يردّه لفظ القرآن، وقيل: كان في السماء وكانا يخرجان إليه، وقيل: من باب الجنة وهما بها، وقيل: كان يدخل إليهما في فم الحية، وقال الكرماني: ألهمهما، وقال ابن القشيري: أورد عليهما الخواطر المزيّنة وهذان القولان يخالفان ظاهر القرآن لأن ظاهره يدلّ على قول ومحاورة وقسم والظاهر أنّ اللام لام كي قصد إبداء سوآتهما وتنحطّ مرتبتهما بذلك ويسوؤهما بكشف ما ينبغي ستره ولا يجتنبان نهى الله فيكون هو وهما سواء في المخالفة هو أمر بالسجود فأبى، وهما نهيا فلم ينتهيا، وقال قوم: إنها لام الصيرورة لأنه لم يكن له علم بهذه العقوبة المخصوصة فيقصدها، قال الزمخشري: وفيه دليل على أنّ كشف العورة من عظائم الأمور وأنه لم يزل مستهجنًا في الطّباع مستقبحًا في العقول انتهى، وهو على مذهبه الاعتزالي في أنّ العقل يقبح ويحسن، والظاهر أنه يراد مدلول سوآتهما نفسهما وهما الفرْج والدّبر قيل: وكانا لا يريانهما قبل أكل الشجرة فلما أكلا بدتا لهما، وقيل: لم يكن كل واحد يرى سوأة صاحبه، وقال قتادة كنى سوءاتهما عن جميع بدنهما وذكر السوأة لأنها أقبح ما يظهر من بني آدم.
وقرأ الجمهور {ووري}، وقرأ عبد الله أوري بإبدال الواو همزة وهو بدل جائز، وقرأ ابن وثاب ما وري بواو مضمومة من غير واو بعدها على وزن كسى، وقرأ مجاهد والحسن من سوّتهما بالإفراد وتسهيل الهمزة بإبدالها واوًا وإدغام الواو فيها، وقرأ الحسن أيضًا وأبو جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصّاح من سوّاتهما بتسيهل الهمزة وتشديد الواو، وقرئ {من سواتهما} بواو واحدة وحذف الهمزة ووجهه أنه حذفها وألقى حركتها على الواو فمن قرأ بالجمع فهو من وضع الجمع موضع التثنية كراهة اجتماع مثلين ومن قرأ بالإفراد فمن وضعه موضع التثنية ويحتمل أن يكون الجمع على أصل وضعه باعتبار أنّ كل عورة هي الدّبر والفرْج وذلك أربعة: فهي جمع وإلا أن تكونا ملكين استثناء مفرّغ من المفعول من أجله أي ما نهاكما ربّكما لشيء إلا كراهة أن تكونا ملكين ويقدره الكوفيّون إلا أن تكونا وإضمار الاسم وهو كراهة أحسن من إضمار الحرف وهو لا، وقال الزمخشري: وفيه دليل على أنّ الملائكة بالمنظر الأعلى وأن البشريّة تلمح مرتبتها انتهى.
وقال ابن فورك: لا حجة في هذه الآية على أنّ الملائكة أفضل من البشر لأنه يحتمل أن يريد ملكين في أن لا يكون لهما شهوة في طعام انتهى، وقرأ ابن عباس والحسن بن علي والضحّاك ويحيى بن كثير والزهري وابن حكيم عن ابن كثير ملكين بكسر اللام، ويدلّ لهذه القراءة {هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى} ومن الخالدين من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان} أي فعل الوسوسةَ لأجلهما أو تكلم لهما كلامًا خفيًا متدارَكًا متكرّرًا، وهي في الأصل الصوتُ الخفي كالهيمنة والخشخشة ومنه وسوَسَ الحَلْيُ وقد سبق بيانُ كيفيةِ وسوستِه في سورة البقرة {لِيُبْدِيَ لَهُمَا} أي ليُظهر لهما واللامُ للعاقبة أو للغرض على أنه أراد بوسوسته أن يسوءَهما بانكشاف عورتيهما، ولذلك عبّر عنهما بالسوأة وفيه دليلٌ على أن كشف العورةِ في الخلوة وعند الزوجِ من غير حاجة قبيحٌ مستهجَنٌ في الطباع {مَا وُريَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا} ما غُطي وسُتر عنهما من عوراتهما وكانا لا يَرَيانها من أنفسهما ولا أحدُهما من الآخر، وإنما لم تُقلب الواوُ المضمومةُ همزةً في المشورة كما قلبت في أويصِل: تصغير واصل لأن الثانيةَ مدةٌ، وقرئ {سَوَاتِهما} بحذف الهمزة وإلقاءِ حركتها على الواو، وبقلبها واوًا وإدغام الواو الساكنة فيها {وَقَالَْ} عطف على وسوس بطريق البيان {مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة} أي عن أكلها {إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ} أي إلا كراهةَ أن تكونا ملكين {أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} الذين لا يموتون أو يخلدون في الجنة، وليس فيه دلالةٌ على أفضلية الملائكةِ عليهم السلام لما أن من المعلوم أن الحقائقَ لا تنقلب وإنما كانت رغبتُهما في أن يحصُل لهما أوصافُ الملائكةِ من الكمالات الفطريةِ والاستغناء عن الأطعمة والأشربة وذلك بمعزل من الدِلالة على الأفضلية بالمعنى المتنازَعِ فيه. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان} أي فعل الوسوسة لأجلهما أو ألقى إليهما الوسوسة وهي في الأصل الصوت الخفي المكرر، ومنه قيل لصوت الحلي وسوسة، وقد كثرت فعللة في الأصوات كهينمة وهمهمة وخشخشة، وتطلق على حديث النفس أيضًا وفعلها وسوس وهو لازم ويقال: رجل موسوس بكسر الواو لا تفتح على ما قاله ابن الأعرابي.
وقال غيره: يقال موسوس بالفتح وموسوس إليه فيكون الأول على الحذف والإيصال.
والكلام في كيفية وسوسة اللعين قد تقدمت الإشارة إليه في سورة البقرة.
{لِيُبْدِيَ لَهُمَا} أي ليظهر لهما، واللام إما للعاقبة لأن الشيطان لم يقصد بوسوسته ذلك ولم يخطر له ببال وإنما ءال الأمر إليه، وإما للتعليل على ما هو الأصل فيها، ولا يبعد أنه أراد بوسوسته أن يسوءهما انكشاف عورتيهما ولذلك عبر عنهما بالسوأة، ويكون هذا مبنيًا على الحدس أو العلم بالسماع من الملائكة أو الاطلاع على اللوح.
قيل: وفي ذلك دليل على أن كشف العورة في الخلوة وعند الزوج من غير حاجة قبيح مستهجن في الطباع.
{مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءتِهِمَا} أي ما غطي وستر عنهما من عوراتهما وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر وكانت مستورة بالنور على ما أخرجه الحكيم الترمذي وغيره عن وهب بن منبه أو بلباس كالظفر على ما أخرجه ابن أبي حاتم عن السدي، وجمع السوآت على حد {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] واعتبار الأجزاء بعيد، والمتبادر من هذا الكلام حقيقته، وقيل هو كناية عن إزالة الحرمة وإسقاط الجاه، و{وُورِيَ} بواوين ماضي وارى كضارب وضورب أبدلت ألفه واوًا فالواو الأولى فاء الكلمة والثانية زائدة.
وقرأ عبد الله: {أوري} بالهمزة لأن القاعدة إذا اجتمع واوان في أول كلمة فإن تحركت الثانية أو كان لها نظير متحرك وجب إبدال الأولى همزة تخفيفًا مثال الأول أو يصل وأواصل في تصغير واصل وتصغيره ومثال الثاني أولى أصله وولى فأبدلت الأولى لما تحركت الثانية في الجمع وهو أول فإن لم يتحرك بالفعل أو القوة جاز الإبدال وعدمه كما هنا قاله الشهاب نقلًا عن النحاة.
وقرئ {سوأتهما} بالإفراد والهمزة على الأصل و{سوتهما} بإبدال الهمزة واوًا وإدغام الواو في الواو، وقرئ {سواتهما} بالجمع وطرح حركة الهمزة على ما قبلها وحذفها و{سواتهما} بالطرح وقلب الهمزة واوًا والإدغام.
{أَبَوَيْهِ وَقَالَ} عطف على وسوس بطريق البيان {مَا نهاكما رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة} أي الأكل منها {إِلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ} استثناء مفرغ من المفعول لأجله بتقدير مضاف أو حذف حرف النفي ليكون علة أي كراهية أن تكونا أو لئلا تكونا ملكين {أَوْ تَكُونَا مِنَ الخالدين} أي الذين لا يموتون أصلًا أو الذين يخلدون في الجنة.